رعى القائم بأعمال رئيس جامعة اليرموك - رئيس مجلس كرسي عرار للدراسات الثقافية والأدبية الدكتور موسى ربابعة، افتتاح ندوة "أوراق الرواد في إربد: على خلقي الشرايري، سامح حجازي، أديب عباسي، نجيب الحوراني" التي نظمها الكرسي.
وقال ربابعة في كلمته الافتتاحية إن "اليرموك" حملت وما زالت تحملُ رسالة وطنية لترجمة التفاعل العميق مع محيطها حتى غدت نبراسا للحضارة ومنارة تضيء دروب السائرين إلى المعرفة والثقافة، مبينا أن هذا هو ديدن الجامعة ودأبها منذ تأسيس كرسي عرار للدراسات الثقافية والأدبية، الذي يصنع فرقا في كل مناسبة وفي كل فعالية ينهض بها.
وأشار إلى أن هذا اللقاء يأتي للاحتفاء بكوكبة من رواد مدينة الثقافة والتاريخ، الذين صنعوا الثقافة وأضاءوا الدرب أمام الأجيال، لافتا إلى أن فعالية "رواد مدينة إربد" تعتبر وقفة وفاء، نُكرّم فيها رجالاً حملوا همَّ الوطن، وساهموا بجهودهم في بناء صروح العلم، وتعزيز الهوية، ودفع عجلة التنمية، كما أن الفعالية فرصة لنستحضر رسالةً سامية: أن النجاح مسؤولية، والعطاء إرثٌ يجب أن يُصان ويُستثمر للأجيال القادمة.
وأكد ربابعة أن إربد لم تكن يوماً مدينةً عادية، فهي مهدٌ للشعر والفكر، ومنبع للعلم والأدب، وحاضنة لأسماء تركت بصمات مضيئة في تاريخ الأردن والمنطقة، مشددا على ضرورة الوفاء لهذه الأرض الطيبة، ومواصلة مسيرة الرواد الذين آمنوا بأن إربد ليست فقط مدينة تُسكن، بل روح تُعاش، ورسالة تُحمل، ومستقبل يُصنع بجهود أبنائها.
وتابع: أن رسالة الرواد لا تنتهي عند حدود أعمارهم، بل تمتد كنبضٍ في قلوب الأجيال، مؤكدا أنه حان دورنا لنحمل عنهم المشعل، ولنجعل من إربد قصةً لا تنتهي، حكايةً تتوارثها الأجيال بصدق الانتماء وصفاء العطاء.
وخاطب الربابعة الطلبة: أنتم جيل اليوم وصنّاع الغد، فكونوا كما أراد الرواد: أوفياء للأرض، حراساً للقيم، وحملةً للأمل. وكونوا أنتم الرواد القادمين، واصنعوا من أحلامكم جسوراً تمتد نحو مستقبلٍ أجمل.
بدورها، قالت شاغل الكرسي الدكتورة ليندا عبيد، أن اليوم هو احتفال برواد أردنيين من مدينة إربد، صنعوا تاريخ البلاد ومجدها، وكتبوا التضحيات والبطولات بسني عمرهم، ومنهم من لاذ إلى الكتابة والإبداع يصور المكان والإنسان، وهموم الوطن العربي وقضاياه ضمن تصور يرى في الأدب التزاما وقضية وتطهيرا من جهة، وانتصارا للفن والجمال من جهة أخرى.
وأشارت عبيد أن مدينة إربد تثمر في كل ميدان وصوب، لتكون صورة للمدينة الحديثة في تنوعها واتساع أفقها ومداها، حيث تجتمع الطبيعة والمدينة والريادة والحضارة في صورة بديعة حضارية واحدة.
وتضمنت فعاليات الندوة، جلسة ترأسها الدكتور وائل التل، تناولت أربعة أوراق نقاشية، الأولى بعنوان "علي خلقي الشرايري حاكما وقائدا عسكريا ووزيرا" قدمها الدكتور خالد الشرايري، والثانية "المرحوم نجيب الحوراني أول شهيد أردني" قدمها المهندس منذر بطاينة، والثالثة بعنوان "المرحوم أديب عباسي رائد الحركة الأدبية في الأردن" قدمها المهندس ناصر النمري، والورقة الأخيرة بعنوان "المرحوم سامح حجازي أول قنصل أردني ورئيس بلدية في اربد" قدمها الدكتور هيثم حجازي.
وتحدث الشرايري عن "على خلقي الشرايري" بوصفه زعيما أردنيا من حوران الأردنية، وصاحب بصمة واضحة في تاريخ الأردن والمنطقة، ولد سنة 1878 في إربد، وكان قائدا عسكريا في الجيش التركي ووصل لرتبة قائم مقام عسكري، ثم أمير لواء، كما وتقلد منصب حاكم عسكري في مكة قبل الثورة العربية، وشارك في معارك بأماكن مختلفة في العالم مع الجيش التركي وفي ليبيا ضد الجيش الإيطالي، وفي الثورة العربية إنحاز مع شعبه وبلده ونضالهم ضد الاحتلال العثمانيين ثم تقلد منصب وزير في عهد الهاشميين.
وتحدث المهندس البطاينة في ورقته النقاشية عن الشهيد نجيب الحوراني الذي استشهد في 10/3/1915، على تراب ليبيا، موضحا أن الحوراني هو الاسم الذي عرف به المجاهد البطل "نجيب بن سعد بن علي بن اعمر البطين"، ويعد أول شهيد أردني برصاص الاحتلال الإيطالي على التراب الليبي، مبينا أنه ولد ببلدة البارحة في العام 1882، في مدينة إربد، ونشئ في قضاء حوران ومنها جاء لقب "الحوراني"، واستشهد في معركة "الحقيفات" ولم يتجاوز 33 عاما من عمره، ودفن في منطقة مسوس ويعرف ضريحه باسم "مقام سيدي نجيب الحوراني".
ومن جانبه، تحدث المهندس النمري عن الأديب والكاتب "عباسي" الذي ولد في بلدة الحصن في إربد عام 1905، وتلقّى دراسته الابتدائية ودراسته الثانوية في الناصرة، ثم تخرّج في دار المعلّمين في القدس، واختير بسبب تفوّقه لبعثة دراسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، مبينا أن عباس يُعدّ أول أردني يكمل الدراسة الجامعية في مرحلة البكالوريوس، وكتب الشعر، والمقالة، والقصّة، والرواية باللغتين العربية، والإنجليزية، كما وترجم العديد من عيون الشعر العالمي، وألّف في الفلك والعلوم الطبيعية، وترك ستةً وتسعين مخطوطاً، وتوفي عام 1997.
بدوره، أشار الدكتور حجازي في ورقته إلى نشأة وتعليم سامح حجازي، الذي ولد في مدينة إربد عام 1898، وبدأ تعليمه في كُتّاب الشيخ أبو الضباع، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة الصالحة والرشدية في إربد، وانتقل لاحقا إلى مدرسة "مكتب عنبر" في دمشق، كما التحق بالعمل الحكومي، وعُيّن مديرا للرسائل في متصرفية إربد، وشغل العديد من المناصب الإدارية، وفي عام 1931، رُقي إلى منصب متصرف الكرك، ثم متصرف البلقاء، ولاحقا متصرف عمان.
وأضاف أنه في عام 1941، عُيّن سامح حجازي كأول قنصل لإمارة شرق الأردن في بغداد، مما جعله أول دبلوماسي أردني في الخارج، واختتم مسيرته بتولي رئاسة بلدية إربد من عام 1951 حتى 1954 ، مستعرضا أبرز ملامح فكره المتمثلة بالولاء للمشروع العربي الهاشمي، واتباعه نهج الإداري الإصلاحي، مبينا أن سامح حجازي آمن بأهمية توافر الإدارة الكفؤة النزيهة في مؤسسات الدولة، وكان مثالا في الانضباط الإداري، والانفتاح على العمل العربي المشترك، والاعتدال والاستقلالية، والتعليم كأداة للتنمية الوطنية، والدفاع عن اللامركزية وتوزيع التنمية، والنزاهة والقدوة الأخلاقية.
وفي ختام الجلسة، دار نقاش موسع حول ما تضمنته الجلسة من أفكار ووجهات نظر.




