الذكاء الاصطناعي في خدمة المرضى: هل يمكن الاستغناء عن استشارة الصيدلاني؟

 WhatsApp Image 2025 09 30 at 2.28.10 PM

الطالبة دعاء المشاعلة - كلية الصيدلة

الصيدلانية سوار ملحم - خريجة كلية الصيدلة 2022 - صيدلية مجتمع

بإشراف د. غيناء أبو ذياب - كلية الصيدلة

      شهدت العقود الأخيرة تطورًا متسارعًا في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence, AI)، والتي لم تعد محصورة في مختبرات الأبحاث، بل امتدت لتغطي جوانب متعددة من الحياة اليومية، بما في ذلك الرعاية الصحية. ومن أبرز التطبيقات الحديثة دخول الذكاء الاصطناعي في ميدان الصيدلة، حيث أصبح بإمكان المريض أن يطرح سؤالًا عبر تطبيق ذكي ليحصل على استشارة دوائية آنية مما أدى إلى التحول إلى إعادة تشكيل العلاقة بين المريض ومزود الرعاية الصحية، وبالأخص الصيدلاني، الذي كان ولا يزال المرجع الأساسي للاستشارة الدوائية.

      هنا يبرز السؤال المحوري: متى تصبح استشارات الذكاء الاصطناعي أداة داعمة لسلامة العلاج؟ ومتى تتحول إلى خطر على صحة المريض؟

التحولات في سلوك المرضى

       مع توسع استخدام الإنترنت، تغيرت طريقة وصول المرضى إلى المعلومة الطبية. ففي بداية الألفية، كانت محركات البحث مثل Google المرجع الأول للحصول على المعلومات الصحية، حيث يعتمد المريض على قراءة مقالات أو صفحات من مواقع عامة. لكن منذ ظهور نماذج المحادثة التفاعلية عبر الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT تغير النمط جذريًا. حيث أشارت دراسة حديثة في مجلة Health Informatics  (2025) إلى أن نسبة كبيرة من المرضى يلجؤون مباشرة إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على استشارات دوائية قبل التوجه للصيدلاني. حيث بينت الدراسة، والتي شملت أكثر من 13,000 مشارك من 43 دولة، أن 42.9% من المرضى أبدوا استعدادهم للثقة بالذكاء الاصطناعي عالي الدقة لاتخاذ قرارات طبية مهمة بالنيابة عن مزدي الرعاية الصحية.  وقد انعكس هذا التغير على الممارسة الصيدلانية، إذ يواجه الصيدلاني مرضى لديهم تصور مسبق حول العلاج، مما يخلق حوارًا مختلفًا عن السابق. ولم يعد الصيدلاني مجرد مزود للمعلومة، بل أصبح مسؤولًا أيضا عن تصحيح المعلومات المغلوطة ودمج المعرفة الرقمية مع التقييم السريري.

مزايا استخدام الذكاء الاصطناعي

الوصول الفوري للمعلومات
       يمتاز الذكاء الاصطناعي بقدرته على استدعاء كميات هائلة من المعلومات الدوائية خلال ثوانٍ معدودة، وهو ما قد يوازي في سرعته وجود مرجع علمي ضخم لدى الصيدلاني في لحظة واحدة. وتكتسب هذه الميزة أهميتها القصوى في المواقف الحرجة، مثل الحالات الطارئة أو عند الحاجة إلى قرار علاجي سريع.

 التثقيف الصحي وتحسين معرفة المريض
       من المزايا البارزة للذكاء الاصطناعي قدرته على تبسيط المصطلحات العلمية. على سبيل المثال، بدلاً من شرح معقد لآلية عمل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE inhibitors)، يمكن للنموذج تبسيطها إلى: "دواء يساعد على خفض ضغط الدم عن طريق توسيع الأوعية الدموية"، وهذا النوع من الشرح يسهم في تعزيز الوعي الصحي للمريض، مما ينعكس إيجابًا على التزامه بالعلاج.

المخاطر والتحديات

الموثوقية والمصداقية
      أظهرت دراسة منشورة في Annals of Internal Medicine (2023) أن دقة إجابات ChatGPT حول الأسئلة الطبية بلغت 64.3%، فيما كانت 26% غير دقيقة و3% متناقضة مع المراجع الموثوقة، وهذا يوضح أن الاعتماد الكامل على هذه الأدوات محفوف بالمخاطر.
غياب السياق السريري
      رغم أن الذكاء الاصطناعي قادر على اعطاء توصيات علاجية بسرعة، إلا أن إجاباته تبقى محصورة في حدود البيانات المدخلة إليه فقط. فعلى سبيل المثال، قد يوصي بدواء مناسب لارتفاع ضغط الدم بشكل عام، لكنه قد يكون غير ملائم لمريض يعاني من فشل كلوي أو لامرأة حامل. هذا القصور في دمج نتائج التاريخ الطبي الشامل والفحوصات المخبرية يؤدي إلى استشارات ناقصة وقد تشكل خطورة على سلامة المريض. وقد أظهرت دراسة منشورة في Journal of the American Medical Informatics Association  (2024) أن النماذج الطبية القائمة على الذكاء الاصطناعي تفقد دقتها بشكل ملحوظ عند غياب بيانات سريرية أساسية، حيث انخفضت معدلات التوصية الصحيحة بنسبة تتجاوز 20% عند إزالة معلومات مثل الأمراض المزمنة أو نتائج الفحوصات المخبرية.

الاعتماد المفرط
      سرعة إجابات أنظمة الذكاء الاصطناعي وسهولة الوصول إليها قد تُغري المريض بالاعتماد عليها وحدها، مما يدفعه إلى إهمال الاستشارة الصيدلانية المباشرة. هذا الأمر لا يضعف فقط جودة الرعاية الصحية، بل يهدد أيضًا بدور الصيدلاني كمصدر موثوق للمعلومة الدوائية. وقد دعمت هذه المخاوف دراسة نُشرت في BMJ Health & Care Informatics (2023) أظهرت أن المرضى الذين استخدموا أنظمة دعم القرار المبنية على الذكاء الاصطناعي كانوا أكثر ميلاً لتجاهل الاستشارة المهنية بنسبة وصلت إلى 27% مقارنة بالمرضى الذين تلقوا تواصلا مباشرا مع مقدمي الرعاية الصحية.

 الأخطاء في الجرعات
      رغم التطور الكبير في أدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أن استخدامها في حساب الجرعات الدوائية ما زال يطرح تحديات خطيرة، خصوصًا في فئة الأطفال والتي تُعد الأكثر تأثر من أي خطأ. فقد أظهرت دراسة في مجلة Frontiers in Pharmacology  (2023) أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قدّمت توصيات غير صحيحة بجرعات الأدوية بما يقارب 15% من الحالات، مما قد يؤدي إلى تسمم دوائي أو فشل العلاج.

الذكاء الاصطناعي والصيدلاني: عندما تصبح الخبرة الصيدلانيّة لا غنى عنها

      على الرغم من التطور السريع في أدوات الذكاء الاصطناعي، تبقى الاستشارة الصيدلانية متفوقة بفضل بعدها الإنساني ومسؤوليتها المهنية. فالصيدلاني لا يقتصر دوره على تقديم المعلومات، بل يبني علاقة قائمة على الثقة والتواصل المباشر مع المريض، ويستند إلى معايير قانونية تضمن المساءلة، إضافة إلى قدرته على تخصيص الاستشارة من خلال ربط الأعراض بالتاريخ الطبي الكامل ونمط حياة المريض. في المقابل، يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى مسؤولية مباشرة ويعتمد فقط على البيانات المدخلة، التي قد تكون ناقصة أو مضللة، ما يجعله محدودًا في الحالات المعقدة.

      قدّمت إحدى الصيدلانيات من صيدلية مجتمع أمثلة عملية توضّح مخاطر الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في إحدى الحالات المتعلقة بعدوى بولية معقدة، حيث أوصى الذكاء الاصطناعي باستخدام دواء nitrofurantoin بدلًا من ciprofloxacin، رغم أن الأول غير مناسب في مثل هذه الحالات، لكن بعد نقاش مع الصيدلانية اقتنع المريض بالعودة للتقييم السريري الصحيح. كما أوضحت الصيدلانية أن الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا في استفسارات بسيطة، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه في المسائل الخطيرة أو المصيرية. ومن الأمثلة الأخرى، عند السؤال عن مدرات البول الممنوعة لمرضى التفوّل (G6PD deficiency)، قدّم الذكاء الاصطناعي إجابات خاطئة وبنسبة مرتفعة، وهو ما يشكل خطرًا مباشرًا على حياة المرضى. هذه الحالات الواقعية تسلط الضوء على ضرورة التعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة فقط، مع بقاء الخبرة الصيدلانية المرجع الأساسي لضمان دقة وسلامة القرارات العلاجية.

نحو توازن آمن

       للاستفادة المثلى من الذكاء الاصطناعي في الصيدلة، تقترح الدراسات البحثية وضع إطار شامل يوازن بين السرعة والأمان يقوم على مبدأ الدمج لا الإلغاء، حيث يُنظر إليه كأداة داعمة لعمل الصيدلاني وليس بديلًا عنه. كما يشمل ضرورة وضع ضوابط تنظيمية وتشريعات واضحة تحدد مسؤوليات وحدود استخدام هذه الأدوات، إلى جانب إدماج الذكاء الاصطناعي في مناهج كليات الصيدلة لضمان تهيئة الصيدلاني للتعامل معه بوعي، وهذه النتائج تؤكد ضرورة وجود مراجعة صيدلانية دقيقة لأي توصيات صادرة عن الذكاء الاصطناعي قبل اعتمادها سريريًا. إضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز الوعي الصحي لدى المرضى للتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي وسيلة استرشادية فقط، وليست مصدرًا وحيدًا للقرار العلاجي.

المستقبل لا يقوم على ثنائية "آلة مقابل إنسان"، وإنما على شراكة ذكية تجمع بين سرعة الذكاء الاصطناعي ودقة الخبرة البشرية. والصيدلاني يبقى صاحب القرار السريري والمسؤولية المهنية، فيما يشكل الذكاء الاصطناعي أداة داعمة توسّع إمكانياته وتزيد من كفاءته.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحول يومًا إلى بديل كامل عن استشارة الصيدلاني، أم أن غياب السياق السريري والمسؤولية المهنية سيجعله يظل أداة مساعدة فقط، تُكمّل ولا تُلغي دور الصيدلاني في رعاية المرضى؟

YU

إعــداد الكفــاءات العلميــة فــي مختلــف حقــول العلــم والمعرفــة، وإنتــاج بحـث علمـي إبداعـي يخـدم المجتمـع من خلال تقديم تعليم متميّز في بيئة جامعية مُحفزة.

اتصل بنا

  •  اربد- الاردن, ص.ب 566 الرمز البريدي 21163
  •  yarmouk@yu.edu.jo
  •  7211111 2 962 +
جميع الحقوق محفوظة © 2025 جامعة اليرموك.
+96227211111Irbid - Jordan, P.O Box 566 ZipCode 21163